استراتيجية الصدمة أو عقيدة الصدمة هو أسلوب للتلاعب تستخدمه الحكومات و الإعلام لخصخصة التعليم و المنافع العامة التي يملكها الشعب و رفع الرقابة على الأسواق استجابة لسياسات الرأسمالية العالمية , الجزء الأكثر فاعلية في هذا التلاعب يهدف إلي وضع الناس في حالة صدمة يعاني بعدها الناس من الرهبة و فقد القدرة على الحركة في هذه الحالة يصبحون غير قادرين علي التفاعل مع فقدان الحقوق الوحشي الذي قد يتعرضوا له .
التدابير و الإعلانات و التصريحات من الحكومات المركزية يتم إلقاءها لنا يوماً بعد يوم تدريجياً مثل قطرات سامة من القلق . بلا هوادة تستمر وسائل الإعلام أو بمعني أصح البروباجندا في حديثها الذي لا يكل عن الأخبار السيئة القادمة من مصادر سيادية , مثل مجالس الوزراء أو و كالات التقييم و الإحصاء .
تشرح ناعومي كلاين في كتابها “عقيدة الصدمة” كيف أن سياسات النيوليبرالية تبقي عاجزة عن إقناع الناس بجدواها من الناحية المنطقية لأنها بطبيعة الحال مضادة للناس, لذا لا يمكن تمريرها سوى بالإنقلابات العسكرية أو إعلان الحروب أو الكوارث الطبيعية أو الظواهر المؤلمة الأخرى التي تترك الناس في قبضة القلق و الخوف.
لكن في بعض البلاد قد يصبح استخدام تلك الوسائل الصريحة عسيراً حينها يتم استغلال مخاوف أخرى, مثل الخوف من فقدان الوظيفة أو الخوف من عدم القدرة على العثور علي وظيفة أو الخوف من فقد الحق في الرعاية الصحية أو الخوف من العنف أو فقدان السكن و أخيراً الخوف من التعرض للإعتقال التعسفي بسبب الإحتجاجات السلمية .
“كل هذه المخاوف يتم تذكيتها لغرض واحد إحداث حالة من الصدمة “
في هذا المقال سنتحدث عن الطريقة التي تستخدم بها استراتيجية الصدمة إحداث شعور بـ “العجز المكتسب” أو فقدان الأمل المكتسب و كيف يمكننا النجاة من تلك الحالة التي هي مصدر انزعاج كبير لنا.
“فقدان الأمل المكتسب سلاح دمار شامل”
في ظل أوضاع مثل تلك قد يكون من المناسب أن نقول السلطات تعاملنا مثل الكلاب أو على الأقل مثل كلاب تجربة سيلغمان, في نهاية الستينات قام العالم النفسي مارتن سيلغمان بتجربة حيث تم تعريض كلب في قفص بالمعمل لسلسلة لا يمكن تجنبها من الصعق بالكهرباء , بينما في قفص آخر وضع كلب آخر لديه ذراع تحكم عند إنزالها تجعله قادراً علي إيقاف هذا العذاب بالضغط علي تلك الذراع , لاحقاً وضع الكلبان في قفص واحد بحيث يمكن كليهما الفرار بمجرد التعرض للصعق من خلال القفز فوق حاجز فماذا حدث ؟
لقد قفز الكلب الذي كان بإمكانه أن يمنع الشحنات الكهربية سابقاً فوق الحاجز بينما ظل الكلب الآخر الذي اعتاد الصعق بلا حراك كأنما استسلم لقدره بدلاً من محاولة الفرار! لقد تعلم الكلب أن يكون عاجزاً لقد آثر ألا يرهق نفسه بالقفز فوق الحاجز إذ صور له عقله أن النتيجة ستكون واحدة. العجز المكتسب يقود للإحباط و اللافعل لأن المصابين به يظنون أن أي فعل سيكون في النهاية بلا فائدة .
في الفيديو التالي سنرى معلمة تحفز العجز المكتسب لدى الطلبة بطريقة بسيطة
قامت المعلمة بتوزيع ورق علي صفين من الطلبة كل ورقة بها ثلاث كلمات الكلمتان الأوليين كانتا مختلفتين حيث حصل أحد الصفين علي كلمة صعبة و الآخر علي أخرى سهلة بينما اشتركوا جميعاً في الكلمة الثالثة .
Advertisements
نجح الصف الأول في الإجابة علي السؤالين الأولين فيما عجز الجالسين في الصف الثاني عن ذلك حفز ذلك شعور بالعجز المكتسب لدى الصف الثاني من الطلبة عند التعامل مع الكلمة الثالثة و التي هي بالأساس مشتركة بين الصفين و بالتالي لم يحاولوا الإجابة علي السؤال الثالث رغم سهولته و تولد لديهم شعور بالدونية و فقد الثقة بالنفس !
من هذا المنطلق نستطيع أن نستنتج أنه بالنظر إلى القدرات الحالية من الدعاية الإعلامية ، فمن الممكن إحداث حالة من الاكتئاب في قطاعات واسعة من السكان. بفضل هذا الفيديو ، فإنه من السهل أن نفهم لماذا ضحايا ألمانيا النازية تقبلوا الموت دون مقاومة تذكر ، ويفسر تقبل الكثير من النساء للتعرض لمعاملة سيئة تجعلهن يتقبلن مصيرهن بإستسلام .
أمر رهيب أليس كذلك لكنه ليس رهيباً بما يكفي أمام ما يحاولون جعلنا نتقبله , انهم يحاولون اقناعنا بقبول سلبي لفقدان حقوقنا وخصخصة الممتلكات و الخدمات العامة مع عدم وجود مقاومة أو احتجاج. الشعار هو : انها غير مجدية بغض النظر عن ما نقوم به.
نعم نحن مثل كلاب سيلجمان نتعرض للصدمات بما يسمونه تلطيفاً خصخصة أو اقتطاعات أو تسويات , هذه الصدمات على ما يبدو لا مفر منها ، بغض النظر عن عدد المرات التي نذهب في الإضراب ، والمشاركة في التوعية أو احتجاجات . علاوة على ذلك، العديد من المتظاهرين يصبحون ضحايا لاعتقالات غير مبررة و عقوبات بالسجن وقائية ، غير متوافقة مع حقوق الإنسان الأساسية.
في اليونان و علي سبيل المثال زادت نسبة الإنتحار بسبب الإحباط الذي انتشر بين الناس أمام سياسات التقشف و الخصخصة التي قامت بها الحكومة حتي كتبت كاتبة يونانية مقالة بعنوان ماذا لو لم نفعل أي شيء؟! لقد سيطر الإحباط علي اليونانيين.
Advertisements
أحد الأمثلة هو ما حدث في البرازيل من إجلاء للفقراء عن مناطقهم بدعوى عدم تأثر صورة البرازيل أمام العالم و ما حدث في مصر من رفع الدعم عن أسعار الوقود بدعوى أن البلاد في حالة حرب !
و مما يزيد الطين بلة ، أن تقدم الحكومات نفسها للرأي العام بأنها من ضحايا العجز المكتسب ! . ويتجسد ذلك من خلال عبارات مثل ” أود أن أفعل شيئا آخر ، ولكن لا أستطيع أن أفعل أي شيء أو أوامر تأتي من فوق أو إذا كنت تصرفت بشكل مختلف، فإن العواقب ستكون أسوأ بكثير ” . و كما نعلم فإن أفضل طريقة للقيادة تكون بالقدوة فإذا كان القائد يعاني أو يتظاهر بالمعاناه من العجز المكتسب فإن ذلك سينتقل لجزء من الجمهور بالضرورة !
في الختام، ما يفعله هؤلاء الساسة و تبين لنا من خلال “لعبهم دور العاجز” هو أن بلدنا لم تعد ذات سيادة ، ولكن تخضع لأوامر خارجية. فلماذا لا يكونوا صادقين و متسقين مع أنفسهم، و ببساطة يتقدموا بالاستقالة، لماذا يتركون البلاد تقع فريسة الرأسمالية ؟
كيف نواجه فقدان الأمل المكتسب أو العجز المكتسب:-
1- أن ندرك أن المشكلة ليست فينا كما يحاول الساسة تصويرها .
استراتيجية أخرى تستخدم من قبل السلطة التي لتحريك العجز المكتسب و تشجيعنا علي أن نلوم أنفسنا على ما يحدث. يقال لنا أننا قد عشنا في مستوى أعلي من قدرتنا ، بينما في الحقيقة أننا نعيش أقل بكثير من معايير الحياة الكريمة ، كما يتضح من تدني الأجور و نقص الموارد الأساسية مثل الإسكان.
يقدم ديفيد هارفي الجغرافي تفسيراً نظامياً لما يحدث . ووفقا له ، ونحن نعيش من خلال عملية تراكم في نزع الملكية . مع انخفاض في الأجور منذ السبعينات 70S ، تقوم بإمتصاصة الطبقة الرأسمالية من خلال الزيادة في أرباحها نتيجة خصخصة القطاع العام و الملكية العامة يجري امتصاصه زيادة في أرباحها بنسبة الطبقة الرأسمالية نتيجة ل خصخصة السلع المشتركة ، و خصخصة الاقتصاد ، والإدارة ، و التلاعب في الأزمة ، وإعادة توزيع الغير متساو للموارد.
لذلك ، لا ينبغي لنا أن نقع في فخ الاعتقاد بأن اللوم لهذه الأزمة ( التراكم بنزع الحيازة ) هو لنا . يجب علينا تجاوز الحمل الزائد للبيانات الحكومية و وسائل الإعلام ، وتحليل الأسباب الكامنة وراء النموذج الاجتماعي والاقتصادي و الثقافي الحالي حتى نتمكن من المساعدة في التخفيف من الآثار الضارة ، وحتى اقتراح نماذج بديلة جديدة ومختلفة .
2- أن نعرف أن الأزمة هي أيضا أزمة فشل النموذج الاقتصادي المهيمن
مع ثبات مصدر المشكلة لدينا، يجب علينا أن نسأل أنفسنا : هل يمكن لهذا التراكم بنزع الحيازة الإستمرار إلى الأبد ؟ بدلا من القلق حول ما يحدث للإقتصاد الآن ، ألا ينبغي لنا أن البحث عن بدائل حقيقية ؟
كيف نقاوم سياسات النيوليبرالية أو الرأسمالية الكارثية :
هناك أمر أريدك أن تعرفه إنهم يحتاجونك لتسيير منظومتهم إذا اتفق الناس علي تفكيك هذه المنظومة فلن يتمكنوا سوى من الرضوخ للناس الذين يستطيعون بإستغنائهم عن قدر كبير مما تقدمه لهم تلك المنظومة أن يتحرروا حقاً
1- المعرفة :
إن عقيدة الصدمة تعتمد علي جهلنا بها لذا فمعرفة أن هذا الأسلوب يتم إستخدامه ضدنا أمر مهم خصوصاً للأمم التي تملك قرارها و هنا يمكن للشعوب إيقاف ذلك بالطرق السياسية أو عبر الضغط علي ممثليها .
Advertisements
2- المقاومة
هناك طريقتان للرفض و المقاومة طريقة سريعة صادمة و الأخرى قد تؤتي ثمارها علي المدى الطويل
– التظاهرات الكاسحة ( أمواج المحيط )
مثل أمواج المحيط كما يحلو لي تسميتها يمكن أن تطبق الجماهير على أي نظام سياسي مهما كان حجم قوته طالما توحدت الجماهير علي هذا الهدف هي طريقة تصادمية تتم من خلال التظاهر و الإعتصامات و المسيرات و هي طريقة قد تواجه بالعنف المفرط من قبل السلطات الفاشية التي يصبح بالنسبة لها الأمر مسألة بقاء . لذا لا تصلح تلك الطريقة في كل المواجهات و قد تكون عيوبها أكبر من مميزاتها في بعض الأحيان
– العصيان المدني (بحر الرمال)
بعكس الطريقة السابقة يمكن لهذه الطريقة أن تطبق علي أي نظام مهما بلغت قوته بدون عنف كبير مثل حبات الرمال الساكنة التي تتحرك فقط تحت أقدام السلطة و تطبق عليها في هدوء و كلما زادت مقاومة السلطة لها كلما انغرست أقدامها أكثر فأكثر و هي تحتاج الي تضامن شعبي واسع من الأغلبية الشعبية و إعلام خاص في مواجهة الآلة الإعلامية الجبارة للحكومة. و هذه الطريقة أكثر أماناً و اقل عنفاً .
و كلتا الطريقتين السابقتين تحتاج إلي كتلة بشرية ضخمة تعضد بعضها بعضاً و هي موجهة للضغط علي السلطة الحاكمة.
– قطع رأس الأفعى ( الرأسمالية)
هي الطريقة التي استخدمها الأرجنتينيون في مواجهة هذه الهجمة فقد وجهوا ضرباتهم مباشرة للقوى الرأسمالية المحركة لهذا الأمر فسحبوا أموالهم من البنوك و أحدثوا لهم هزة اقتصادية , مواجهة مباشرة مع قوى النيوليبرالية سواء أكانت الرأسمالية العالمية التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية و التي هي المحرك الأساسي لمعظم الإنقلابات و الحروب في عالمنا أو لقوى الرأسمالية الداخلية .
“أنت من تصنع و أنت من تشتري , أنت اليد التي تعمل و المال الذي يشتري فإذا ما قررت أن تتخلى عن تلك المنظومة التي تستعبدك فقد أخذت خطوة علي طريق التحرر في مواجهتهم و في مواجهة التغييرات السلبية التي تحدث حولك”
- ربما الآن هو الوقت المناسب لاستكشاف طرق جديدة لنتصل ببعضنا و بيئتنا للبحث عن وسائل جديدة للحياة.
- أفضل طريقة زيادة السعادة من خلال العلاقات الشخصية وتعزيز علاقات تعاونية بدلا من تلك القائمة على المنافسة.
- لا ينبغي السماح بخصخصة الإبداع المتراكم في الأفكار و المعارف و الفنون تحت ذريعة الملكية الفكرية
- تعزيز الاقتصاد القائم على المشاعات ، حيث بدلا من المردوديه , مساعدة نموذج المشاريع التعاونية مكرسة لتحسين المجتمع والبيئة على حد سواء .
- إنهاء هيمنة الاقتصاد المالي على الاقتصاد المنتج
- حشد لمبادرات تعزز من الإنتاج المستقل حيث يمكن للناس أن تعمل بحرية
- استهلاك أقل ، تصنيع أقل ، وتصميم منتجات قابلة لإعادة التدوير كليا واستخدام كميات أقل من الطاقة و تطوير الاقتصادات المحلية .
- بناء قنوات مستقلة من الموزعين واسعة النطاق تتحكم عمليا في كل النشاط التجاري ، من الإنتاج إلى البيع بالتجزئة.
هناك العديد من الحركات العالمية التي بدأت فعلياً تسير في هذا الإتجاه مثل حركة زايتجايست و التي تقدم العديد و المقترحات و الحلول لمواجهة هذا الفشل الفاشي للرأسمالية العالمية الذي يقود إلي عالم فقير و مستعبد
هناك أيضاً حركات ظهرت لتدعم حق الناس في المعرفة مثل أطر التعليم المجاني و المفتوح و التي ظهرت تحت مسمي الـ MOOC بالإضافة إلى سياسات المصادر المفتوحة و التي اشتهرت بصفة خاصة لتحريرالمجال التكنولوجي من الإحتكار.
هذه الأفكار ليست الوحيدة و هي ثمرة أجتهادات متنوعة فقوة الأفكار تكمن في تداعيها و تراكمها فيمكن لأي منا أن يضع أنموذجه الخاص لمقاومة سياسات الهيمنة سواء بالدفاع عن الملكية العامة أو بالهجوم المضاد بإيجاد بدائل لتقليص قوة و نفوذ الرأسمالية العالمية التي لا تشبع.
——————————-
شاهد فيلم عقيدة الصدمة
عقيدة الصدمة هو كتاب للكاتبة الكندية الأصل ناعومى كلاين والذى يستند إليه هذا الفيلم ، ويعتبر من أحسن الكتب الإقتصادية والسياسية بحسب النقاد ، والفيلم يفسر لنا كيف إجتاحت رأسمالية الكوارث العالم بداية من تشيلى وحتى العراق عبر الزمن وحول العالم فى طريق طويل ، الكتاب والفيلم لا غنى عنهم للباحثين الإقتصاديين والسياسيين لتحليل الأحداث من منظور تاريخى مغاير.