في الحقيقة بعض الدراسات العلمية اهتمت بالإجابة على هذا السؤال و ناقشت تلك الدراسات تأثير السلطة بشكل اساسي على الفرد و المجتمع نناقش هنا جزء من هذا التصور من خلال تجربتين
تجربة سجن ستانفورد و التي تناقش تأثير السلطة المطلقة أو غير المقيدة على شخصية حاملي تلك السلطة , وتجربة ملغرام و تناقش تأثير تلقي الأوامر من سلطة اعلى نراها شرعية إذا ما مثلت تلك الأوامر إنتهاكاً للإنسانية .و قد خلصت التجربتان إلى نتائج مقلقة للغاية
1- تجربة سجن ستانفورد و السلطة المطلقة
هل تؤدي السلطة المطلقة لشخص على آخرين لإرتكاب الجرائم
“السلطة المطلقة مفسدة مطلقة”
هذا ما بينته تجربة علمية سميت بتجربة سجن ستانفورد ففي تجربة علمية مولتها البحرية الأمريكية بقيادة العالم فيليب زيمباردو قام العلماء بإستحضار مجموعة من الطلبة المتطوعين الأسوياء نفسياً و الذين ليس لديهم أي سجل أو تاريخ إجرامي في تجربة تستمر لمدة أسبوعين مقابل 15 دولار لكل فرد لمحاكاة ظروف السجن.
تم تقسيم المجموعة عشوائياً إلى سجناء و سجانين و قام القائمون على التجربة بإعطاء سلطة مطلقة للسجانين للتعامل مع المسجونين و إدارة السجن بالطريقة التي تحلو لهم و استثنى فقط منع استخدام العنف البدني في التجربة
قدم زيمباروا الجمل التالية للحراس خلال ذلك:
- يمكنكم أن تولدوا إحساساً بالخمول لدى السجناء، ودرجة ما من الخوف
- من الممكن أن توحوا بشيء من التعسف يجعلهم يشعرون بأنكم وبأن النظام وبأننا جميعاً نسيطر على حياتهم
- سوف لن تكون لهم خصوصيات ولا خلوات. سنسلبهم من شخصياتهم وفرديتهم بمختلف الطرق.
- بالنتيجة سيقود كل هذا إلى شعور بفقدان السيطرة من طرفهم. بهذا الشكل سوف تكون لنا السلطة المطلقة ولن تكون لهم أي سلطة.
و فيما كان على السجناء أن يبقوا طوال مدة التجربة و يتناولون طعام محدد يشبه طعام السجن كان بإمكان السجانين تناول ما يحلو لهم و العودة لمنازلهم بعد مناوبات تستمر 8 ساعات .
المدهش أنه تم أيقاف التجربة بعد 6 أيام فقد تقمص الطلاب السجانين أدوارهم تماماً وبدأت تصرفاتهم تتحول للعنف المفرط و استخدام أساليب قاسية لإذلال الطلبة السجناء حتى أنهم أنهم تطوعوا للعمل ساعات إضافية لقمع تمرد داخل السجن , و في الوقت الذي أصيب فيه السجناء بالإحباط و الإكتئاب و نوبات البكاء و الإرتجاف و إضطرابات التفكير , عبر السجانين عن سعادتهم بالتجربة وعن إستيائهم من إنهاء التجربة مبكراً !
إنه لأمر مرعب خاصة لو قارناه بالصلاحيات الممنوحة للسجانين و قوات الأمن الحقيقيين في كثير من البلاد العربية و التي تفوق الممنوحة في تجربة علمية مقننة .
يعتبر هذا الاختبار عرضاً لأنماط الطاعة والانصياع التي يبديها الناس عندما يتعرضون لنظام أيديولوجي يحظى بدعم اجتماعي ومؤسساتي. لقد تم توظيف هذا الاختبار لتوضيح وفهم معالم قوة (السلطة) .
2- تجربة ملغرام و أثر الطاعة العمياء
هل من الممكن أن يتحول الإنسان لمجرم ضد الإنسانية لمجرد أنه تلقى أمراً بذلك من سلطة أعلى ؟
- الرجاء الاستمرار.
- الاختبار يتطلب منك أن تستمر، استمر رجاء.
- من الضروري أن تستمر.
- ليس لديك خيار، يجب عليك الاستمرار.
وهناك ملاحظة إضافية مفادها أن أحداً من كل المشاركين الذين رفضوا الاستمرار في الاختبار لم يبادر إلى المطالبة بإلغاء الاختبار ووقفه نهائياً، كما لم يقم أي واحد بمغادرة الغرفة للتحقق من سلامة الشخص الآخر بدون أن يطلب الإذن بذلك.
وصف ملغرام 19 صنفاً للاختبار شرحها في كتابه (الانصياع للسلطة)، عندما تكون العلاقة مباشرة مع الضحية انخفض مستوى الانصياع للأوامر الصادرة عن السلطة، وبالعكس عندما كانت العلاقة مباشرة مع السلطة ازداد مستوى الانصياع. قد أظهرت البيانات أن معدل الطاعة أو تنفيذ الأمر يتناقص كلما تقارب المعلم والمتعلم.
يقول ملغرام: النتائج كما تابعتها في المختبر، مقلقة، إنها ترجح أن الطبيعة البشرية غير جديرة بالاعتماد عليها لتبعد الإنسان عن القسوة، والمعاملة اللاإنسانية، عندما تتلقى الأوامر من قبل سلطة فاسدة. نسبة كبيرة من الناس مستعدون لتنفيذ ما يؤمرون دون أخذ طبيعة الأمر بعين الاعتبار، وبدون حدود يفرضها الضمير، مادامت|الأوامر صادرة عن سلطة شرعية.
إذا تمكن في هذا الاختبار، مشرف مجهول، من أن يوجه الأوامر لمجموعة من البالغين لقهر رجل في الخمسين من عمره، وإخضاعه لصعقات كهربائية مؤلمة رغم احتجاجاته ومرضه لا يسعنا إلا أن نتساءل عما تستطيع الحكومات بما لها من سلطات أوسع بكثير أن تأمر به.
في حالة أخرى أنيطت مهمة ضغط المفتاح لصعق المتعلم إلى ممثل آخر بينما أدى المشارك دوراً ثانوياً، في هذه الحالة لم يقرر الانسحاب سوى 3 من أصل أربعين !
استنتج من ذلك أن أسلوب تقسيم العمل ينجح بشكل كبير في عمليات التعذيب والإبادة المنظمة، وهو ما يخفف الشعور بالمسؤولية عن الأفراد، ويضمن المزيد من التعاون من قبلهم، ويؤدي إلى تنفيذ المهام القذرة على أمثل وجه !.