شليان وألتراس الجهاد  – قصة حقيقية

شليان وألتراس الجهاد – قصة حقيقية

شليان وألتراس الجهاد - قصة حقيقية 1
تصوير : Megan Nellis — in Djénné, Mopti, Mali.
عام 2009 في الصومال كانت درجة الحرارة قاتلة والجفاف قاسي والتوتر يسود منطقة تفريغ عربات الإعانة والمساعدات ويأتي شاباً مهرولاً ليحمل معنا مواد البناء ويساعدنا في حفر بئر و فجاءة يختفي , تغيب الشمس فيأتي نفس الشاب مرة أخرى مبتسماً ليعطينا بعض التطعيمات والأدوية ويعرفنا بنفسه ويطمئن على الجميع ويمضي , في الفجر صوت ملائكي يرفع الآذان بعد الصلاة ” بفضول مصري أَصيل ” أسأل من رفع الآذان فيشير لنا حبيبنا معاذ القيروني تجاه نفس الشاب المقدام ..! وفي الصباح نرى نفس الشاب  يدرس للأطفال الرياضيات ! وبعدها ينطلق لنقطة الإغاثة الطبية ليقوم بعمله . إنه  ” شليان الباجي ” طبيب إسباني يبلغ من العمر 22 عاماً وقتها , رجلاً بألف رجل حكيماً صاحب همة عالية ذو عقلية فاذة بسيط متواضع مقدام متمكن في مجاله العملي بالإضافة لعلوم أخرى مثل الفلسفة والشعر والفقه واللغة العربية والتاريخ .
انتهينا من مهمتنا أنا ومن معي فذهبنا له لنودعه فأعطى لكل منا كتاب وطلب منا ان ندعوا له بالتوفيق في رسالة الماجستير وان نتذكره بالخير .
في طريقنا للعودة كل ما يشغل بالي أعداد المتطوعين ” من خارج المنطقة العربية والإسلامية ” مثل كندا و أستراليا والسويد 8520 متطوع من البلاد الثلاثة مقابل 2950 متطوع من البلاد الإسلامية !! مسلمين وغير مسلمين ” وأغلبهم ما بين” 18 – 25 عام ” ومن رأيتهم منهم لم يكن تطوعهم بنية أو هدف التبشير .. إلخ بل كان أغلبهم بدافع إنساني أو مهام دراسية ” بعض جامعتهم تعطيهم مهام تطوعية وإنسانية ” !! ونموذج شليان الباجي طبيب إسباني سبق له السفر لأفغانستان والعراق وكردستان الشرقية والصومال وعمره 22 عام !!
وصلت مصر وبعد أيام قليلة أستدعانا الأمن المصري وحقق معي وبعض من كان معنا !! بعض المضايقات كانت كفيلة أن تجعل بعض من ذهب للصومال أن لا يفكر في السفر مرة أخرى وحينها تذكرت شليان ومايفعله وتخيل الفرق بين نظام بلده وبلدنا وبين همته ونيته وإخلاصه وبيني وبين حال الكثير من الشباب الذي يجيد القول لا الفعل وحتى ” ألتراس الجهاد * ” حالهم القول لا الفعل والتنظير السطحي الغير مفيد بالمرة ومنهم من لايملك ذرة عقل ولا علم ولا عمل ويكفر أهل العمل مثل شليان ورفاقه !!
أكرمني الله بلقاء ثاني للرجل الملهم ” شليان الباجي ” وكانت هذه المرة في دارفور لكن الجميل هذه المرة كان يدفع أمامه فتاة على كرسي متحرك والعادة العربية ” جعلت بعض الشباب العربي ” الموجود بسؤاله من هذه الفتاة يا أخي ” فرد عليهم بفخر هذه (زوجتي وسيدتي )  طبيبه هي الأخرى إبتسمت وقلت له بارك الله لكما وأكرمكما وأكرم بكما ظل يسر علينا فضلها عليه وعلى مدى أفعالها ” كان يروي لنا عن مواقفها ودروس وبصمات وضعتها في حياته بكل فخر ” يقول كانت حزينة لعدم مكنه من السفر معي للصومال لتعارض السفر مع الإستعداد لمناقشة رسالة الدكتوراة !! يقول هي رفيقة دربي وسندي وحبيبتي في كل رحلة وكل طريق ♥ ” حالة من الوفاء والإحترام والتقدير ماشاء الله ولاقوة إلا بالله ” حفظهما الله . رد عليه شاب منا وقال له : يا أخي شليان زوجتك تكبرك بـ 4 أعوام وتعشقها كل هذا العشق يا أخي عليك بالثانية والثالة وهذا حقك الشرعي !!  فرد عليه شليان : في عشق وفخر هي تاج رأسي وكل نساء الكون جوارها موتى . قال له عليل العقل يا أخي أعذرني لكنها ” قعيدة !!! ” نظر إليه وقال له قعدتك وحالك وعقلك يحزن ولولاها بعد الله ما كنت اليوم بينكم . اللهم بارك  لهما وبارك في  أميرتهم  ” حبيبه ” .
رحلة دارفور كانت صعبة ومؤلمة لسوء الأوضاع هناك والقتال المستمر بين أهلها ” أغلبهم مسلمين ومن حفظة القرآن لكن الحرب كانت بصبغة منحنى عرقي وقبلي للأسف مع بعض التدخل والتلاعب من أطراف أخرى ”  لكن وجود شليان والشباب كان يمحي الكثير لكن في كل رحلة تزيد الإسئلة كيف لحامل كتاب الله أن يقتل أخوه أو نفس بدون حق وهذا حال عام هناك ألتمست الفرق بين الحافظ لكتاب الله والمدرك له والعامل به .. ومدى عقلية القبلية والعصبية ” سواء عرقية أو بصبغة دينية مختلقة ” وأيضاً المدهش الفرق الكبير بين عدد المتطوعين مثل الصومال من المسلمين ” وغير المسلمين ” المقارنية ليست لطغيان عنصري على عقلي لكن لكثرة أهل القول والخطب والكتابات والنداء للجهاد ونصرة المستضعفين في أرض الله  أين هم !!

أنهينا بفضل الله مهمتنا في دارفور ومررنا بتعنت من الأمن السوداني والأمن المصري كالعادة والأعداد تقل وتقل والمدهش إن الرحلة كانت بعد رحيل نظام مبارك والثورة !!
مرت شهور ووجدت رسالة على بريدي الإلكتروني من شليان يخبرني بإنه يجمع مال للقيام بأعمال إغاثة في مالي لإنهيار الوضع في الشمال بسب الحرب والأحداث هناك وإنقطاع المياة والكهرباء وقلة الطعام وإنتشار الأمراض ( المهمة تحتاج متطوعين من مختلف التخصصات ) ذهبت لكثير من الشباب الذي أرى في قوله نية التطوع أو الخير أو الجهاد أو مساعدة الغير وأرسلت لبعض الثقات إن كان يعرف أحد يشارك … لكن في النهاية لم يتقدم أحد إلا صديق ما كان ينوي السفر لسوريا وقال لي إن لم أوفق فأذهب معك ” لا أعلم نوايا ولا ظروف الشباب كي أحكم على موقفهم ”  
لكني على ثقة تامة إن ظروف الكثير من ألتراس الجهاد  ( على مواقع التواصل الإجتماعي ومنهم أصحاب أعداد ضخمة من المتابعين ومنشورات تحصل على مئات الإعجاب والمشاركات ) تسمح للمشاركة في مالي وغيرها من البلاد المنكوبة وإن لم يكن متاح لهم السفر خارج البلاد فقوافل الصعيد وسيناء تبكي من قلة المشاركين فيها ومجالات العلوم تحتضر لقلة المجتهدين فيها “
أتفقنا أن نتقابل في الجزائر ومنها ننتقل إلى النيجر عن طريق البر ونلتقي ” بالأحبة ( معاذ القيروني ” المغرب ” مظفر الوجيلي (موريتانيا ) شليان الباجي ( اسبانيا ) ” في الجزائر الأمن حاله لايختلف كثيراً عن الامن السوداني ولا المصري بل يكاد يكون اسوء خصوصاً مع أي ملتحي !! أمن النيجر كان أفضل منهم بعض الشئ في التعامل والتيسير , مالي كافة المداخل لها غير مسموح لدخول قوافل إغاثة أو مساعدات فكان الدخول من حدود النيجر هو المتوفر ” بطريقة غير رسمية  “
الوضع في مالي كان مأساوي شعب يعاني من فقر وجهل ” مع توفر الموارد ! ” ونظام عميل بشكل قذر وحركات تسمي نفسها جهادية ! سيطرت على البلاد بشكل شبه كامل وتعاملات مع بعض الأمور بصورة نفرت منهم العوام ( أغلبية سكان مالي مسلمين أفارقة صوفيين ) كالصونغاي والفلات ونسبة العرب والطوارق 10 % تقريباً مع وجود نسبة قليلة من الديانات الأخرى ) مثل تفجيرات الأضرحة والبنوك وبعض المدارس وتدخل عسكر لقوات الإيكواس والقوات الفرنسية ” فكان ترحيب شريحة كبيرة من الشعب المالي بالتدخل عجيب لكنه قهري وبالقوة ( ما أقوله بشهادة أهالي مناطق مختلفة قابلنهم هناك ومجريات الأحداث هناك ) يقول لنا شيخ نحن نبغضهم جميعاً لكن ندعوا الله أن يقضوا على بعضهم البعض حتى ننال الخلاص !!
– كانت المهمة اقامة منطقة خزانات وعدد قليل من المجاري وتوفير فصول تعليمية ومشفى صغير في 4 مناطق وبعض الخيام للنازحين ” شليان جمع 500 ألف يورو  ( هو وبعض الشباب الأسبان كما ذكر لنا ) وكافة التكاليف كانت من هذه الأموال لم أقدر على جمع تبرعات من مصر إلا مبلغ 3800 دولار !! أغبط هذا الرجل ماشاء الله ولاقوة إلا بالله
كلما ذهبنا لمنطقة كان بعض الأهالي يخافون منا خشية أن نكون تابعين جماعة أنصار الدين فتعلم القوات الفرنسية فتقذف أكواخهم ” وكل ذلك لإننا ملتحين وأصحاب بشرة فاتحة !! “
من الحالات المحزنة شنت القوات الفرنسية غارة وإصيبت فتاة حامل وحينما وصل شليان لمكان الحالة منعه أهلها من علاجها لأنه ذكر وأبيض !! ثار عليهم وقمنا بكل المحاولات بإقناعهم إنه مسلم كي يسمحوا له بإنقاذها لكنهم رفضوا وماتت الفتاة والجنين !!!
كان الغضب والحزن يسود المكان وما زاد الأمور سوء عندما تعرض لنا 5 من عناصر أنصار الدين في طريقنا لـ ” كونا ” وطلبوا منا نص ما تبقى معنا من معدات أو مال !! فقال لهم معاذ ( إن كنتم تريدون الخير للإسلام والمسلمين فإننا نقوم بذلك بطريقتنا فذهبوا ودعونا فقاموا بإطلاق بعض الطلقات في الهواء لإرهابنا لحظات ودخلت سيارة ونزل منها رجل ذو هيبة أمرهم بالإبتعاد عن طريقنا وأعتذر لنا وأصر أن يوصلنا إلى كونا “
وصلنا كونا الفجر وجلسنا ننتظر دليلنا ” ليرشدنا على الطريق ” ومعه بعض العمال والمتطوعين من النيجر وأنهينا مهامنا على خير بفضل الله وذهبنا بإتجاه حدود النيجر بنصيحة أخونا معاذ القيروني ” قال لنا إن قبض علينا على حدود الجزائر فقل على العمر السلامة أما النيجر فهناك فرصة أفضل ” قمنا بتقطيع بعض الأوراق من جواز السفر الخاص بكل منا ” لأننا دخلنا مالي بطريقة غير قانونية ” 
* ألتراس الجهاد : تسمية أول من سمعته منه هو أخونا الحبيب اسماعيل الشريف 🙂
 # يتبع في شليان وألتراس الجهاد 2
كتبها م . السيد مختار

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

ثلاثة عشر + 3 =

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.