هل السن فعلًا عامل مؤثر عند تعلَّم لُغة جديدة؟ – بقلم محمد حجاج

هل السن فعلًا عامل مؤثر عند تعلَّم لُغة جديدة؟ - بقلم محمد حجاج 2

هل السن فعلًا عامل مُهم عند تعلَّم لُغة جديدة؟ أعتقد أن الإجابة بصفة عامة هي لا.
لنعُد للأصول الأولى المُرتبطة بالتعلم. هُناك طريقتان أساسيتان يتعلم البشر من خلاليهما:

– التقليد والمُحاكاة:

هو أكثر أساليب التعلم بدائية، لذا فإن هذا الأسلوب يُستخدم مع غير البشر كذلك. هُنا يتم التعلم بصورة ضمنية بدون شرح أو فهم صريح للمفاهيم أو الأُسس المُتبعة. العُنصر الجوهري في هذا الأسلوب هو الوقت، حيث أن عملية التعلُم تحتاج إلى وقت طويل حتى تتم بصورة صحيحة، ولكن في نفس الوقت لا يتم بذل مجهود كبير خلالها. الطريقة التي يتعلم بها الأطفال اللغات هي هذه الطريقة.

Advertisements

– الدراسة:

 ويُعد أكثر أساليب التعلُّم تعقيدًا، حيثُ أنه يعتمد على التعمُّق في المُكونات الأساسية للأشياء، وفهم الطريقة التي تعمل بها على مستويات مُختلفة. هُنا يتم التعلُم بصورة صريحة تعتمد على الامتصاص العقلي لمفاهيم وآليات العمل. العُنصر الجوهري في هذا الأسلوب هو المجهود العقلي المبذُول في استيعاب “الكثير من التفاصيل”، وبصفة عامة تتم عملية التعلُّم في وقت أقل كثيرًا من أسلوب المُحاكاة. المواد الأكاديمية بصفة عامة تُدّرس بهذه الطريقة. (قارن الوقت الذي ستقضيه في تعلُّم قوانين الحركة لنيوتن في مقابل الوقت الذي ستقضيه في استنتاجها من الصفر بمُجرد ملاحظة حركة الأجسام!)
جميع الفروق التي ستُقابلها في أي طريقة لتدريس اللغات يُمكن اختزالها في نسبة الاعتماد على أسلوب المُحاكاة في مُقابل الاعتماد على أسلوب الدراسة. أكثر الطُرق شيوعًا هي إعطاء مساحة كبيرة للتعلم بالمُحاكاة مع مساحة صغير للدراسة، مُتمثلة في دراسة القواعد اللٌغوية وحسب. طبعًا هذا لا ينفي أن تجد من يتطرف لأحد الأسلوبين، فترى أحدهم يُقسم لك أن أسلوب المُحاكاة هو الأسلوب الصحيح الوحيد للتعلم لتُصبح مثل “الأجانب”، وأنه ليس عليك دراسة أي شيء على الإطلاق، وستجد على الجانب الآخر من يُقنعك أن الدراسة المُتعمقة هي الوسيلة الوحيدة لتعلم لُغة جديدة في شهور بدلًا من سنوات.

أي هذه الأساليب أفضل؟

 الأمر إلى حد ما يعتمد عليك. هل تكره بذل المجهود في التعلم بصفة عامة، أم أنك من هؤلاء المهاوييس الذين لا يهدأون إلا أن يصلوا لقعر الأشياء؟ هل أمامك وقت طويل للتعلُم، أم أنك ستسافر إلى بلد جديدة بعد عدة أشهُر وتريد أن تتعلم لُغتها؟

من وجهة نظري الشخصية، الأسلوب الأمثل للتعلم بأكبر كفاءة مُمكنة وفي أقل وقت مُمكن هو إعطاء أسلوب الدراسة مساحة كبيرة وإعطاء المُحاكاة مساحة صغيرة. لم يُقابلني حتى الآن أي نظام لتعلُم اللغات يعمل بهذه الطريقة بعد، ولكن في الوقت الحالي أقوم بعمل تجارب في استخدامه.

Advertisements

ما أعنيه بإعطاء الدراسة مساحة أكبر هو ألا تقتصر دراستك للغة على حفظ قواعدها وحسب، بل أنت في حاجة لأن تدرسها كما يدرسها الأكاديميون.من بين الأشياء التي ستقرأ عنها تصنيف اللُغة التي تتعلمها ونوعها، والأسلوب الذي تستخدمه هذه اللغة في عرض الأفكار -أو عقلية اللغة- والبنى القواعدية التي تُسخدم للتعبير عن هذه الأفكار. ستقرأ عن طبيعة العلاقة بين الكلمات والمعاني في هذه اللغة، والطريقة التي تعتمدها في “توسيع” المعنى، والطريقة التي تستخدمها في وصف الأسماء والتعبير عن الأفعال ونطاق عمل الأفعال.

بالنسبة للنُطق، ستقرأ عن التصنيف الصوتي للغة، وأثر طبقات الصوت في توليد معان مُختلفة، وعن المقاطع الصوتية التي تتكون منها هذه اللُغة وطريقة توليدها (مخارج الحروف)، وعن “اللحن” المُستخدم لربط هذه لمقاطع ببعضها البعض لعزف المقطوعة التي نُطلق عليها “التحدث”. 
جانب المُحاكاة من دراستك سيتمثل في تدريب لسانك على تقليد هذه الأصوات، وتدريب أذنك على التفريق بين هذه الأصوات، وعلى تدريب عقلك على الإنتقال من الأفكار للنطق بصورة أسرع، وعلى الإنتقال من إطار التفكير بلغتك الأُم إلى نطاق التفكير باللغة الأخرى التي تتعلمها، وهذا ما يُطلق عليه “إجادة اللُغة”.

أعلم. هذا الأسلوب يبدو مُجهدًا بصورة كبيرة (بالرغم من أنه يُمكنك الوصول حرفيًا لكل هذه الأشياء على ويكيبيديا)، لذا من المنطقي أنه غير مُستخدم. ولكن صعوبة الشيء لا تعني تركه بالكلية، وخاصة إن كُنت تعلم أنك ستحصل على فوائد غير مسبوقة منه. أبسط مثال هو أن اللغات لها “عائلات” مثل البشر تمامًا تشترك فيما بينها في الكثير من الصفات. إتقانك للغة واحدة في عائلة سيسمح لك بتعلم أي لغة تنتمي لهذه العائلة بصورة أسرع جدًا من المعتاد، لأن عقلية التعامل معها مُتقاربة جدًا، وفي بعض الأحيان طريقة النُطق كذلك.

Advertisements

مقالات قد تهمك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

10 + ستة =

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.